أذكر ذلك اليوم جيداً من عام 2006، بعد أسابيع فقط من أحداث سامراء. كنت ساعتها أعد تقريراً صحفيا على موقع الجزيرة الإنجليزي عن الشباب العراقيين من السنة والشيعة الذين كانوا يقومون بشراء هويات مزورة بأسماء مستعارة لإخفاء انتمائهم المذهبي خوفا من انتقام الميليشيات.
جاءني وقتها أحد الزملاء من قناة الجزيرة العربية، وأعطاني أوراقاً مطبوعة قال إنها مقال لمفكر عراقي شيعي يدعى أحمد الكاتب، يقول إنه لا وجود للإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن) حسب معتقد الشيعة الإمامية.
كنت وقتها كاتباً متفرغا لشؤون الشرق الأوسط في موقع الجزيرة الإنجليزي، وكان العراق يغلي بُعيد تفجيرات سامراء والجبهة مع إسرائيل مشتعلة، فصنفت موضوع “المهدي المنتظر” على أنه “هام – غير مستعجل”.
منذ أشهر جاء دور الموضوع في البحث وبدأت أطّلع على أفكار الأستاذ أحمد الكاتب وكانت المفاجأة الأولى أن الرجل الذي غزا الشيب شعره، نشط على مواقع التواصل نشاطاً لا يقل عن نشاط شباب في العشرين من عمرهم.
إن الكم الهائل من كتابات ومحاضرات وفيديوهات الأستاذ الكاتب المكرسة لتكذيب وجود وولادة الإمام الثاني عشر لم يكن الموضوع الذي أثار اهتمامي، فهذه قد تكون وجهة نظر مهمة، ولكنها تبقى وجهة نظر واجتهاد خاص به.
إلا أن ما أثار انتباهي هو النفس الوحدوي الذي يتحدث به الأستاذ الكاتب، حيث يدعو الطوائف الإسلامية عامة للوحدة، ويطالب طائفته الشيعية بنبذ القناعات التي تثير الفرقة بين عنصري الأمة الإسلامية.
التشيع الصفوي
يدعو الأستاذ الكاتب بنشاط منقطع النظير لتنقية بعض المعتقدات الشيعية التي تقوم على سبِ الشيخين ومعاداة من يواليهم، ويصف قصة الاعتداء على فاطمة الزهراء على أنها أسطورة ويصف كل تلك المعتقدات بأنها “تشيع صفوي”.
ويذهب الأستاذ الكاتب إلى أبعد من ذلك في تحديه وينسف التفسير الإمامي لحديث الغدير وحديث الكساء وغيرها من الأدلة التي يستند إليها الشيعة الإمامية في إثبات أحقية علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة، أما بخصوص الآيات القرآنية التي يقول الشيعة الإماميون أنها نصوص على إمامة علي فيصفها بأنها “تفسيرات تعسفية”.
وبموازاة السعي والبحث لنفي وجود إمام ثاني عشر، كرّس الأستاذ الكاتب ساعات وساعات من بثه على اليوتيوب للطعن في المراجع الشيعية التي تؤمن بالإمام الثاني عشر ولم يسلم من ذلك الهجوم السيد علي السيستاني ومراجع آل الصدر وغيرهم.
أما الحوزة العلمية في النجف، فهو ينعتها بالجهل والتقاعس عن اتباع المنهج العلمي البحثي الصحيح في مسألة الإمام الثاني عشر، ويتهكم عليها ويسميها في مواضع كثيرة “الحوزة الأمية”.
السيستاني والاحتلال
ويتساءل صراحة، كيف ومن انتخب السيستاني مرجعا! بل ويتهم الأستاذ الكاتب السيد السيستاني بالسكوت عن احتلال العراق ورمي البلاد في مصيدة دستور أعور أعرج، وأنه يفتي بلا دليل ويكرس “الأساطير” و”الخرافات”. صحيح أن الأستاذ الكاتب دائما ما يطرح الاحتمال القائم بوجود من يتصرف بدون علم السيد السيستاني، ولكنه مع ذلك لا يعفيه من المسؤولية.
سبب كتابتي لهذا المقال هو تكرار الأسئلة الموجهة للأستاذ الكاتب من زملائه وأصدقائه ومتابعيه حول هدف حملته هذه! بدا واضحا من الأسئلة أن هناك حيرة حول سبب تبني الأستاذ الكاتب لهذه الأفكار، لدرجة أن هناك من اتهمه وسأله، ’ هل تركت التشيع وتحولت للمذهب السني؟،.
استمعت لعشرات الساعات من محاضرات الأستاذ الكاتب على يوتيوب حول المواضيع أعلاه، وبحكم مهنتي فأنني لا أصدق أي شيء بسهولة، وأي شخص يحتاج لشبكة معقدة من الأدلة والقرائن ليكسب ثقتي، لذلك كان لسان حالي وأنا استمع للأستاذ الكاتب هو المقولة الإنجليزية “too good to be true”.
وبدأت أسأل نفسي ما الهدف من هذه الحملة المكثفة للأستاذ الكاتب؟ لو كان الهدف علمي وديني بحت كما يدعي فإن عدد معين من المحاضرات والكتب التي نشرها كافية جداً، لماذا يكرس ليله ونهاره للموضوع؟!
العدو الخليجي
أول دليل على وجود أجندة غير معلنة للأستاذ الكاتب كان منشورا له على الفيسبوك يدين فيه “العدوان السعودي” على اليمن. وبعد ذلك بفترة نشر منشوراً يتبنى وجهة النظر الإيرانية عن النظام العراقي قبل عام 2003.
وثانيا، وجدت محاضرات له تصنف الوضع في المملكة العربية السعودية على أنه تجسيد لمذهب الإمام أحمد بن حنبل القائل -بحسب الأستاذ الكاتب- “إن أي شخص يستولي على السلطة بالقوة يعتبر إماماً للمسلمين وطاعته واجبة”.
ويصف الأستاذ الكاتب الوضع في السعودية على أنه “حكم دكتاتوري” وأنه استبدادي يعدم الناس لمجرد كلمة في إشارة للشخصيات الشيعية السعودية التي صدر بحقها أحكام قضائية بالإعدام.
وثالثا، سأله متابعون عن سبب صمته عن النظام الإيراني وعدم انتقاده بكلمة رغم أن النظام الإيراني يقوم على المذهب الشيعي الإمامي، وهنا جاء الجواب الذي كشف الغمة.
نفى الأستاذ الكاتب أن تكون إيران الرسمية شيعية إمامية، ووصف النظام الإيراني بأنه نظام ديمقراطي متطور ومتمدن ويقوم على أساس كلمة الشعب وأن لا أحد فوق القانون، وأنه يتمنى النظام نفسه لكل الدول الإسلامية.
وهكذا يتبين لنا أن الرجل يتبنى وجهة النظر الحكومية الإيرانية، وأي عدو لإيران الرسمية هو عدو لأحمد الكاتب، الذي يعتقد أن المهدي المنتظر هو أي حاكم عادل شرعي يقيم حدود الله، ويرى أن الخميني والنظام الذي أقامه هو الإمام المهدي أو على الأقل قد اقترب من ذلك كثيراً!
وحتى بعد أن فهمت الخلفية السياسية للأستاذ الكاتب وتبنيه للنموذج السياسي الإيراني، فإن تساؤلاتي لم تهدأ، إذ ما العلاقة بين ميوله السياسية هذه وبين نسفه للعقائد الشيعية الإمامية بهذا الشكل المركز؟!
الجواب الذي توصلت إليه هو أن الأستاذ الكاتب يسعى لتسويق صورة جديدة للنظام السياسي الإيراني، يقوم على إزالة الحواجز النفسية بينه وبين البحر السني الذي يحيط بإيران من كل الجهات تقريبا.
هو يحاول أن يقول للمسلمين السنة إن النظام السياسي الإيراني ليس كما يتصورونه، بل هو نظام إسلامي يقوم على معتقدات تتطابق مع معتقداتهم، وهو لا يلعن ويسب كما تتصورون، بل أنه الواحة الديمقراطية التي يصبون إليها.
ويدعو الأستاذ الكاتب بصراحة لتبني النموذج الإيراني، ويسوق لفكرة تبين مدى تطابق توجهاته مع النظام السياسي الإيراني مفادها ’ أيها المسلمون، إيران ليست هي العدو، بل العدو الحقيقي هو السعودية ودول الخليج‘.
وفي الختام نقول، إن كان ما يقوم به الأستاذ الكاتب هو قناعة شخصية فهذا لا يعيبه، حيث لكل شخص الحرية فيما يعتقد، أما إذا كان جهده بالتنسيق مع النظام الرسمي الإيراني فتلكم قصة أخرى!