في الجزء الأول من المقال تبين أن الأستاذ أحمد الكاتب يرى أن النظام في إيران “نموذج ديمقراطي” يجب أن يتبعه العالم الإسلامي برمته، وأن هذا النموذج قد سحب البساط من التشيع الصفوي الإمامي الذي يمنع النشاط السياسي الشيعي.
وفي هذا السياق، يرى الأستاذ الكاتب أنه في الطرف الآخر من المعادلة الإسلامية أنظمة سياسية يجب أن تزاح من المشهد لأنها أنظمة دكتاتورية تعتمد على تعاليم إسلامية مشوهة، وهي المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
ويرى الأستاذ الكاتب أن السعودية ودول الخليج تتبع مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذي -وبحسب الأستاذ الكاتب- يعتبر أن أي شخص يثب على السلطة ويجلس على كرسي الحكم هو ولي أمر، حتى لو عصى تعاليم الله وزنا وشرب الخمر علانية.
ولأنني لست عالم دين، فأترك موضوع تعاليم الإمام أحمد ليرد عليه من يرى في نفسه العلم والدراية في هذا المجال، ولكني سأرد في مجال تخصصي على مطالبة الأستاذ الكاتب باستبدال الأنظمة الخليجية بنموذج النظام الإيراني.
والحقيقة هناك أسئلة تدور في خلدي تؤرقني، وأسأل نفسي هل الأستاذ الكاتب ومن على شاكلته يعلم أجوبتها ورغم ذلك يستمر في مطالباته المجافية للمنطق أم أنه يجهل الأجوبة!!
أسأل الأستاذ الكاتب، هل تعرف الفرق في المستوى المعيشي بين الشعب الإيراني وشعوب الدول التي تدور في فلك إيران من جهة وشعوب دول أنظمة أحمد بن حنبل؟
هل تعرف الفرق في القوة الشرائية بين المواطن السعودي والخليجي العادي والمواطن الإيراني ومواطني العواصم الأربعة؟
هل تعلم أين يقضي المواطن الإيراني، أو العراقي، أو اليمني، أو اللبناني، أو السوري عطلهم (إن كان لهم عطلة أصلا)، وأين يقضي المواطن السعودي والخليجي عطلته؟
هل دخل جنابكم الكريم لدائرة حكومية في الدول التي يمارس فيها الشيعة الديمقراطية حسب قولكم مثل العراق، أو لبنان، أو اليمن، أو سوريا؟
هل تعلم كم الفوضى والإهانة التي يتعرض لها كل من يدخل دائرة حكومية في هذه الدول؟ هل تعلم مدى تفشي الرشوة والفساد فيها؟ هل تعلم كم هي متدنية نسبة الإنجاز في الدوائر الحكومية في الدول المذكورة؟ هل لاحظت تعاسة المباني نفسها؟
وهل دخلت دائرة حكومية في دبي أو الرياض أو الدوحة؟ أنصحك أن تجرب وسترى أن أول ما يلفت نظرك في المباني الحكومية في دول أنظمة ابن حنبل هو النظافة، بعد ذلك ستندهش من سلاسة الأمور، وسرعة الإنجاز وعدم احتياجك لدفع رشوة أو واسطة.
هل لدى الأستاذ الكاتب أي فكرة عن مدى اهتمام دول الخليج بالتعليم مقارنة بمحيطها؟ وأن السعودية أرسلت عام 2019 مثلا أكثر من 90 ألف مبتعث سعودي للدراسة في الخارج على حساب الدولة؟
هل تعلم أشكال الدعم المالي والاجتماعي الذي تقدمه “أنظمة أحمد بن حنبل” لموطنيها؟ منح زواج، منح وقروض حسنة لبناء منازل، أسبقية في التعيين وغيرها الكثير. ماذا يقدم النظام الإيراني والأنظمة التابعة لها في الدول العربية الأربعة لمواطنيها؟ أنا أجيبك: لا شيء!
حضرتك ومن يدور في مدار إيران تريدون أن تثور شعوب دول الخليج وتستبدل أنظمتها بنظام نسخة من النظام الإيراني – الذي لا أعرف بأي منطق تسميه “ديمقراطي” وأنت تعلم أنها “مسرحية ديمقراطية” والحكم في إيران في يد شخص واحد فقط لا غير!
ولكن هل سألت نفسك ماذا سيجني المواطن العربي في الخليج من تبني النظام الإيراني؟ هل تعتقد حقا أنه من المنطق أن يستبدل شعب ما نظام أعطاه كل شيء، بنظام يسلب منه كل شيء؟
ماذا يجني المواطن الخليجي من الديمقراطية؟ يجني الرفاهية؟ العدالة في توزيع الثروة؟ مستوى معيشة مرتفع؟ الكرامة؟
ولكنه يملك كل هذا بدون ديمقراطية! وبلدك إيران يملك “ديمقراطية” (حسب ادعائك) ولكن المواطن الإيراني لا يحصل على أي شيء مما يحصل عليه المواطن الخليجي الذي يعيش “تحت رحمة” أنظمة أحمد بن حنبل.
إن كل تفصيلة يومية في حياة أي مواطن خليجي تثبت فساد دعوتك، وكل تفصيلة يومية في حياة أي مواطن عراقي أو لبناني أو يمني أو سوري يثبت صلاح أنظمة أحمد بن حنبل وفضلها على الناس.
بطبيعة الحال يمكن أن يرد مؤيدو النظام الإيراني إن الأمور لا تحسب هكذا وإن كذا وكذا، ولكنني أؤكد لك أن الأمور بالنسبة لرجل الشارع العادي لا تحسب إلا كما ورد أعلاه، والدليل من قمسين:
أولا، أن جُلّ مواطني دولة الولي الفقيه والدول التابعة له يحلمون بعقود عمل في دول أنظمة أحمد بن حنبل.
ثانيا: أن المواطن الشيعي يذهب لزيارة قبور آل البيت ليشكو الفاقة والعوز والظلم، بينما مواطن أنظمة أحمد بن حنبل يذهبون لمكة ليشكروا الله على نعمائه.
أخيرا، أتركك مع الصورة الرئيسية للمقال وهي تساؤل لمدرس عراقي يتحسر فيها على الحالة البهية لقاعة امتحانات في مدرسة في السعودية ويقارنها ببؤس نظيراتها في العراق ويتساءل بما معناه، ماذا فعلنا لنستحق هذا الهوان؟