الخميس, سبتمبر 19, 2024
الرئيسيةأخبار وتقاريرتصفية أسامة بن لادن.. كتاب لسايمون هيرش

تصفية أسامة بن لادن.. كتاب لسايمون هيرش

مرة أخرى يعود صحفي التحقيقات الأميركي سايمور هيرش بصداع جديد للسلطات الأميركية ليطعن في كتاب أصدره بعنوان “تصفية أسامة بن لادن” بالرواية الرسمية لمقتل زعيم التنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن في غارة على منزله في أحد مدن باكستان نفذتها قوة أميركية خاصة، ويقدم تحقيقات يقول أنها تكشف حقائق تعمدت الإدارة الأميركية والمخابرات الباكستانية إخفاءها بهذا الصدد.

هيرش الذي كشف مذبحة ماي لاي في فيتنام عام 1968 وكان حاضراً في تغطية فضيحة ووترغيت ثم كشف القصف الأميركي السري لكمبوديا ثم عاد وأطل برأسه في أبي غريب بالعراق فكان له مقالات مفصلة عن الممارسات اللاخلاقية للقوات الأميركية تجاه سجناء المقاومة العراقية من العرب السنة خاصة، عاد ليقول أن وراء الأكمة ما ورائها في موضوع مقتل بن لادن.

ويوجه هيرش في كتابه نقدا لاذعا لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وللرئيس شخصيا، ويرى أنه حنث بوعده للناخب والشعب الأميركي عندما رفع شعارات “الأمل” و”التغيير” التي ضربت وترا حساسا لدى الناخب بعد ثمانية أعوام من حكم الرئيس الأسبق جورج بوش ونائبه ديك تشيني، ويرى أنه في النهاية مشى على خطى أسلافه ممن سكنوا البيت الأبيض.

يعتبر هيرش من أكثر الصحفيين الأميركيين تشددا ومراقبة لأداء الأدارات الأميركية

ويتساءل هيرش بشكل مباشر إن كان عهد أوباما مجرد استمرار لسلسلة الأكاذيب التي بدأها بوش الابن! ورغم أن أوباما -أول رئيس أميركي من أصل أفريقي- والذي كان الكثيرون يعتقدون أنه يمكن أن يكون أفضل رئيس حظيت به أميركا، فإنه لم يرتق إلى توقعات وآمال الشعب الأميركي بحسب ما يراه هيرش في كتابه.

ويكشف الكتاب مجموعة من الأحداث والظروف والملابسات التي أحاطت بعدد من الأحداث الكبيرة في السنين الماضية والتي تعمدت إدارة أوباما إخفاءها وإخراجها بشكل ملتو حسب مصلحتها وفي مقدمتها عملية مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل عام 2011.

وقد أجرى هيرش مجموعة من التحقيقات الاستقصائية توصل من خلالها إلى أن الإدارة الأميركية كذبت بشأن قيام القوة التي اقتحمت مقر بن لادن بقتله دفاعا عن النفس، وكذبت بشأن عدم تورط باكستان وبالتحديد المخابرات الباكستانية في عملية اغتيال بن لادن.

ويذهب هيرش في استنتاجاته إلى حد اتهام الباكستانيين باستغلال رغبة الولايات المتحدة بالتخلص من بن لادن لترسيخ وضمان تدفق المساعدات الأميركية، بل إن عناصر باكستانية تسلمت بالفعل جزءا من الجائزة الأميركية التي رصدت لرأس بن لادن والتي كانت قيمتها 25 مليون دولار أميركي.

واستشهد الكتاب بعدد من القرائن قبل أن يدخل في صلب التحقيقات التي أجراها هيرش بنفسه، ومنها مقابلة قناة الجزيرة مع أسد دوراني الرئيس السابق للمخابرات الباكستانية والتي قال فيها إن احتمال معرفة الباكستانيين المسبقة بعملية اغتيال بن لادن “وارد جدا”.

القرينة الثانية، تقارير مراسلة نيويورك تايمز كارلوتا غال في أفغانستان لمدة 12 عاما، والتي قالت في أحدها إن “مسؤولا باكستانيا” أخبرها بشكل مباشر بمعرفة رئيس المخابرات الباكستانية الجنرال أحمد شجاع باشا المسبق بالعملية. القرينة الثالثة، كتاب “باكستان قبل وبعد أسامة” الذي صدر عام 2012 وهو من تأليف امتياز غل، الرئيس التنفيذي لمركز الأبحاث والدراسات الأمنية الباكستاني والذي أورد فيه أنه تحدث لأربعة من العملاء السريين للمخابرات الباكستانية الذين أكدوا له أن الدوائر العسكرية الباكستانية بشكل عام مقتنعة أن المخابرات الباكستانية أخذت علما مسبقا بالعملية.

وقد جمع هيرش معلومات وتفاصيل مهمة من مصادر أميركية قبل أن يتصل هو شخصيا بدوراني ويواجهه بما حصل عليه من معلومات تفيد أن بن لادن كان في الحقيقة سجينا تحت الإقامة الجبرية لدى المخابرات الباكستانية منذ عام 2006، وكانت على علم مسبق وأكيد بالعملية الأميركية، وقامت بتأمين الأجواء للمروحيتين العسكريتين الأميركيتين اللتين استخدمتا في نقل فرقة القوات الخاصة التي قتلت بن لادن.

وبحسب هيرش، فإن تحقيقاته أثبتت كذب الرواية الأميركية التي ادعت أن تحديد مكان بن لادن تم عن طريق مراقبة وتتبع خط سير الرسائل التي كان يتبادلها مع قيادات التنظيم، والحقيقة هي أن ضابطا سابقا رفيع المستوى في المخابرات الباكستانية باع السر للأميركيين مقابل قيمة المكافأة (25 مليون دولار).

وقد بدأت قصة رصد مكان تواجد مكان الراحل أسامة بن لادن في أغسطس/آب 2010 عندما اتصل ضابط مخابرات باكستاني سابق بمدير عمليات المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) في السفارة الأميركية بالعاصمة الباكستانية جوناثان بانك، وأبدى رغبته بكشف مكان بن لادن مقابل مبلغ المكافأة.

بعد وقت قصير طار إلى باكستان على عجل فريق من السي آ ي أي متخصص باختبارات كشف الكذب، وحقق مع الضابط الباكستاني تحقيقات مكثفة اجتازها الأخير بنجاح، إلا أن السي آي أي كانت بحاجة إلى مزيد من الضمانات حول شخصية الرجل الذي يسكن ذلك المجمع في مدينة أبوت آباد القريبة من الكلية العسكرية الباكستانية ومقر وحدات عسكرية باكستانية مقاتلة، كما أنها على بعد خمسة عشر دقيقة بالطائرة المروحية من تاربيلا غازي حيث يوجد واحد من أهم مقرات المخابرات الباكستانية.

اعتبر أوباما تلك المعلومات غير موثوقة ووصف اختباء بن لادن بهذا الشكل الضحل بأنه “أمر جنوني”، وطالب بمزيد من التحقيقات، وهنا انتقل ثقل الإستراتيجية المخابراتية الأميركية نحو تعبيد الطريق لكسب ثقة المخابرات الباكستانية وإقناعها بالتخلي عن ردها المعلب التلقائي بنفي أي معرفة بمكان بن لادن.

كان هدف المخابرات الأميركية الحصول على عينات من الحمض النووي للشخص المستهدف داخل المجمع للتأكد من هويته، ولم يمض وقت طويل قبل أن يبدل قادة المخابرات الباكستانية موقفهم وينتقلون من النفي إلى التنسيق مع المخابرات الأميركية لضمان تدفق المساعدات التي أسالت لعابهم من حيث النوعية. ويقول الكتاب إن تلك المساعدات كان جزء كبير منها من نوع خاص، أي مخصصة لمكافحة الإرهاب مما يعني أنها تشمل حمايات شخصية خاصة وسيارات ليموزين مضادة للرصاص ومساكن فخمة محصنة. كل ذلك بالإضافة إلى حوافز مالية كانت تدفع تحت الطاولة لمسؤولين باكستانيين، بحسب الكتاب.

شنّ هيرش في كتابه حملة نقد لاذع ضد أوباما الذي اتهمه بالحنث بوعده للناخبين الأميركيين

إلا أن هيرش يلفت في كتابه إلى أن الأميركيين قد استخدموا أيضا سياسة الترغيب والترهيب، فمقابل الحوافز المالية كانت هناك تهديدات بشكل مبطن بالكشف عن مكان بن لادن وأنه مقيد الحركة بشكل ما من قبل المخابرات الباكستانية، وهو أمر كان سيثير سخط حركة طالبان والمجموعات الإسلامية المسلحة في باكستان وأفغانستان، خاصة وأن العلاقات مع حركة طالبان تعتبر قضية إستراتيجية للباكستانيين حيث تمثل أحد الوسائل للجم جماح النفوذ الهندي المتنامي في أفغانستان.

وبعد أن تبددت مخاوف القادة الباكستانيين وبدأ التعاون المخابراتي الباكستاني الأميركي للإعداد للعملية، تردد أوباما الذي كان وقتها يطمح لولاية ثانية، حيث تبادرت إلى ذهنه العملية العسكرية لإنقاذ الرهائن الأميركيين في إيران عام 1980، عندما سقطت الطائرات المروحية المكلفة بالعملية وقتلت طواقمها، وكان الحادث سببا مباشرا في خسارة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر للانتخابات أمام منافسه الجمهوري الرئيس الأسبق رونالد ريغان.

وبعد سرد الكتاب لوقائع وتحقيقات عديدة تثبت تورط المخابرات الباكستانية، انتقل مجددا لجلد إدارة أوباما وتحدى روايتها القائلة إن عناصر الوحدة التي اقتحمت مقر إقامة بن لادن قتلته دفاعا عن نفسها لأن الأخير حاول التقاط سلاح لفتح النار على القوة المهاجمة. وفي هذا السياق يسرد الكتاب وقائع عن تورط الطبيب العسكري الباكستاني أمير عزيز في الترتيب لاغتيال بن لادن وشراء صمته، لأن الحقيقة هي أن بن لادن كان رجلا مسنا ومريضا، والقوة المهاجمة كانت مكلفة بقتله بشكل مباشر.

اليوم، وبعد خمسة عشر عاما من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أصبح من الواضح أن سياسة أوباما الخارجية قد استخدمت عددا من المفاهيم الأساسية التي قامت عليها الحرب على الإرهاب التي بدأها جورج بوش، حيث استمرت إدارة أوباما بانتهاج أسلوب الاغتيالات وهجمات الطائرات بدون طيار والاعتماد المكثف على القوات العسكرية الخاصة على الأرض والعمليات المخابراتية السرية.

وكما كان الحال في عهد بوش وتشيني، فإن الرئيس الذي وعد بالتغيير لم يغير شيئا وما زالت القاعدة على حالها، ووليدها تنظيم الدولة الإسلامية ينمو ويتوسع حتى وصل إلى قلب أفريقيا. ويتساءل هيرش، كيف للمرء أن يفهم تصرفات سياسي مثل أوباما استثمر الكثير من طاقته لتمرير برنامج رعاية صحية (أوباما كير) وتوقيع اتفاق نووي ثوري مع إيران، بينما -في الوقت ذاته- يقدم على كل ذلك الخداع الذي يوثقه هذا الكتاب؟

2
هل أعجبتكم المادة؟

You will be redirected after 10 seconds

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

احدث التعليقات