الخميس, سبتمبر 19, 2024
الرئيسيةأخبار وتقاريركتاب الخروج من الفردوس ومعالجة جديدة للغز اختفاء موسى الصدر

كتاب الخروج من الفردوس ومعالجة جديدة للغز اختفاء موسى الصدر

انتظر المراقبون السياسيون والإعلام الأميركي طويلا صدور كتاب “الخروج من الفردوس” للكاتب آندرو سكوت كوبر المتخصص بتاريخ العلاقات الأميركية الإيرانية، وهو كتاب يتناول المرحلة الأخيرة من حكم شاه إيران محمد بهلوي ويورد معلومات تثار لأول مرة.

ورغم أن الكتاب يتضمن كما هائلا من المعلومات الفريدة والموثقة والتي استقاها الكاتب من مقابلات أجراها مع شخصيات كانت في مركز الحدث، فإن أكثر ما أثار الفضول حوله هو التفاصيل التي يكشفها حول اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا عام 1978.

ويورد الكتاب مقابلة الكاتب لشخصيات عديدة ذات ثقل ووزن في الشأن الإيراني مثل الامبراطورة السابقة فرح ديبا زوجة محمد رضا بهلوي آخر شاه إيراني (حكم الشاه من 1941 إلى 1979) والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والسفير الأميركي في طهران أيام الشاه ويليام سوليفان.

ومن إحدى الميزات التي تعطي للكتاب قيمته هي كثافة المقابلات والمعلومات الواردة على ألسنة شخصيات إيرانية وعربية وأميركية ممن كانوا على اطلاع أو اضطلعوا بأدوار معينة في الفترة التي شهدت ضمور سلطة الشاه وعودة الخميني من منفاه الباريسي إلى إيران وإعلان الجمهورية الإسلامية في إيران في شباط/فبراير عام 1979.

ويقدم الكتاب صورة موسعة للجغرافيا السياسية والأوضاع العامة في منطقة الشرق الأوسط ولمحات من الساحة السياسية العالمية في تلك الفترة التي شهدت زلزالا سياسيا غير وجه إيران 180 درجة وتوابع ذلك الزلزال لا يزال يشعر بها كل شعوب المنطقة التي تحيط بإيران والعالم بدرجات متفاوتة.

الصدر في حفل تخرج ممرضات أشرف عليه ضمن نشاطاته التي أكسبته شهرة واسعة

وتدل التفاصيل الدقيقة التي يوردها الكتاب والتي تتضمن نصوص اتصالات ورسائل بين مسئولين على أعلى المستويات، أن الكاتب بذل جهدا كبيرا في الغوص في أعماق التفاصيل المتصلة بموضوع الكتاب مثل استعراضه للصراع بين الشاه والخميني في السنوات التي سبقت عودة الأخير إلى إيران.

ويؤكد الكتاب أن تلك الفترة شهدت تنسيقا رفيعا بين الشاه وبين من سماهم الكتاب “العلماء المعتدلين” في الحوزة الشيعية في مدينة قم، والذين كانوا يعارضون توجهات الخميني لإقامة دولة دينية على أساس ولاية الفقيه التي أحياها الخميني.

صعود نجم الصدر
وفي هذا السياق يورد الكتاب تفاصيل تعود إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي وبالتحديد في لبنان حيث أسس الإمام الشيعي موسى الصدر حركة أمل وميليشياتها وهي خطوة تبعها بروز وسطوع نجم الصدر وحضورة على الساحة اللبنانية والإقليمية كشخصية يحسب لها حساب في تلك الفترة.

ورغم أن الخميني كان في مرحلة من المراحل يعتبر الصدر أحد رجاله وتربطه به رابطة نسب، فإن الصدر لم يكن من أنصار مبدأ ولاية الفقيه التي نادى بها الخميني وتولى على اساها السلطة، الأمر الذي أقلقه وابنه أحمد الذي يعرف بتشدده وميله للخيار الصفري في معالجة القضايا.

وبحسب الكتاب، فإن الصدر تواصل مع الشاه وعرض عليه المساعدة في تهدئة البركان السياسي الذي كان يغلي في إيران في أيام الشاه الأخيرة والتي غذى نيرانها في البداية اليسار الإيراني ومن ثم المد الإسلامي الذي أطلقه الخميني عن طريق ما عرف حينها بـ “ثورة الكاسيت”.

وبعد تشاور الشاه مع علماء الحوزة الشيعية في قم، استقر الرأي على إجراء مفاوضات بين الشاه والصدر أساسها أن يتولى الأخير رئاسة الوزراء في إيران ليقود عملية مضادة تمتص المد الخميني في إيران وتحتويه.

ومن ضمن ما عرض الصدر على الشاه أن يتفاوض مع الخميني الذي اشتد عود أنصاره وبدأوا في إثارة القلاقل في الداخل الإيراني، وتم الاتفاق على أن يلتقي الصدر بأحد مساعدي الخميني محمد بهشتي في ليبيا، وطار الصدر بالفعل إلى ليبيا في أواخر أغسطس/آب 1978 رغم تحذيرات عديدة تلقاها من شخصيات عربية مثل العاهل الأردني الراحل الملك الحسين بن طلال.

قتل بالوكالة؟
وقد صدقت المخاوف واختفى الصدر عن الأنظار ولم يعرف مصيره بعد زيارته لليبيا وبرزت نظريات وفرضيات كثيرة حول اختفائه وكان أقواها وأكثرها انتشارا هو قيام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي باعتقال الصدر وإعدامه، إلا أن كتاب “الخروج من الفردوس” يضيف بعدا آخر للقضية، وهو أن الخميني سعى بشكل غير مباشر للتخلص من الصدر الذي كان عقبة في طريقه.

الخميني في الطائرة التي أقلته من منفاه الباريسي إلى إيران ليتسلم السلطة في الربع الأول من عام 1979

يقول كوبر إن الاتفاق قضى أن يلتقي الصدر بممثل الخميني بهشتي في ليبيا، إلا أن الأخير لم يصل إليها أبدا، وبدلا من ذلك اتصل بالقذافي وأقنعه أن الصدر عميل غربي وأن ذلك هو السبب الحقيقي لاختفاء الأموال الليبية التي دفعت له لمقاومة الإسرائيليين في جنوب لبنان. وبما أن القذافي كان حانقا على الصدر أصلا على خلفية قضية مقاومة الإسرائيليين، فقد أتت وسوسات بهشتي لتصب الزيت على النار وتثبت التهمة على الصدر.

وطبقا للكتاب فإن الخميني بهذه الطريقة قد نجح في إزاحة واحدة من أهم العقبات التي كانت تعترض خطته للعودة إلى إيران وتأسيس نظام ديني يكون هو على رأسه وبيده مفاتيح الحل والربط مشفوعة بنظرية ولاية الفقيه الذي يعتبر “المرشد الأعلى” بمثابة حلقة وصل بين السماء والأرض.

ورغم أن المعلومات الواردة في الكتاب كانت قد أثارت فضول وترقب الإعلام والمراقبين في الولايات المتحدة منذ شهور عديدة إلا فإنها ليست المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب عنها؛ فقد سبق أن وردت في كتاب “الجاسوس الصالح” الذي صدر عام 2014 وهو عبارة عن سيرة ومذكرات روبرت آميس رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية الأميركية في العاصمة اللبنانية بيروت، والذي قتل في انفجار السفارة الأميركية ببيروت عام 1983.

وطبقا لمذكرات آميس، فإن الصدر قد شوهد في صالة مغادرة كبار الزوار في مطار طرابلس في 31 أغسطس/آب 1978، إلا أنه ومرافقيه اقتيدوا بصورة مهينة في سيارة يبدو أنها للأمن الليبي ولم يغادروا المطار. وتقول المذكرات إن بهشتي اتصل بالقذافي وطلب منه تأخير مغادرة الصدر، ووصفه بالعميل للغرب.

وبالعودة إلى كتاب كوبر الذي بين أيدينا اليوم فإن الشاه قد أرسل علي قاني أحد أصدقاء الصدر وحلقة الوصل بينهما إلى عدد من الدول العربية لاستقصاء مصير الصدر وينقل كوبر عن قاني الذي جاوز الثمانين من العمر الآن، أن الأجوبة التي حصل عليها أكدت أن الصدر قتل بأوامر من القذافي، وأن الرئيس المصري الراحل أنور السادات أخبره أن جثة الصدر وضعت في صندوق اسمنتي ورميت من طائرة مروحية في البحر المتوسط.

وبناءا على ما تقدم، لم يجادل الكتاب بأن المتهم الأول وربما الوحيد في اختفاء موسى الصدر هو الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، إلا أنه قدم محرضاً جديدا ونظرية جديدة للدافع الذي دفع ذلك المحرض للتخلص من موسى الصدر ولكن بيد وجهد جهة أخرى.

5
هل نالت المادة رضاكم؟

You will be redirected after 10 seconds

المادة السابقة
المقالة القادمة
مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

احدث التعليقات