هناك أسباب عديدة تؤخذ في الحسبان عندما يتعلق الأمر باختيار شخص ما للظهور على الشاشة ومخاطبة الجمهور، ومن أهم تلك الأسباب أن يكون له خلفية معلوماتية في مجاله تؤهله لسبر أغوار ذلك المجال بطريقة قد يعجز عنها الكثير من الناس وبذلك يصنف بأنه شخص لديه ما يمنحه للجمهور وعليه فهو يستحق أن يمنح فرصة مخاطبته.
في الفيديو المرفق في نهاية التقرير نرى الزميلة المذيعة وهي تظهر تعجبها من ما قالته ضيفتها التي تنتمي للحزب الديمقراطي الأميركي حول أن الرئيس الأميركي (الديمقراطي) جو بايدن قد لوّح بموضوع حل الدولتين كحل للقضية الفلسطينية بنية تحقيق مكاسب انتخابية.
وتسأل الضيفة بتعجب شديد قائلة “جو بايدن يعود لطرح هذا الملف بقوة الآن لأهداف انتخابية واضحة!” وترد عليها الضيفة بصيغة تأكيد شديد “بكل تأكيد!”.
المشكلة فيما تقدم هو أن الزميلة المذيعة تظهر وهي تحمل أفكارا وتصورات خاطئة عن القيم الديمقراطية مثلها مثل أي شخص لا يعمل في السياسة أو بأحد الحقول المرتبطة بها ارتباطا وثيقة مثل الصحافة والإعلام وتعتقد أن تبني خط سياسي معين لأغراض انتخابية هو شئ غير مقبول.
إن أي عامل بالسياسة أو مراقب لها يفهم أن السياسي يعمل من أجل مصلحته ومصلحة حزبه السياسية وأن الفرق شاسع بين تلبية متطلبات الجماهير وكسب ثقتهم وأصواتهم وبين خرق القانون العام وخاصة قوانين الانتخابات التي تضمن المنافسة الشريفة.
ففي الولايات المتحدة مثلا موضوع المناقشة في الفيديو المرفق، يبدّل السياسيون مواقفهم باستمرار حسب ما تقتضي الحالة من أجل دغدغة مشاعر جماهيرهم السياسية وضمان أصواتهم ولا يوجد مانع قانوني يعيق ذلك، ونفس الشيء يفعله السياسيون في العالم كله.
في العملية الديمقراطية الغربية تقوم الأحزاب والجهات السياسية بكل ما هو ممكن من أجل تحقيق أهدافها السياسية، لا بل هي تسأل الناس التبرع للحملات الانتخابية وتنجز أهدافها بأموال الناس والرعية وأكثر من ذلك أنها لا تجد حرجا بعد ذلك إن لم تستجب لمطالب الجماهير التي أخذت منها الأموال وأوصلتها للسلطة.
كل ذلك يندرج تحت مظلة العمل السياسي الذي لا يمكن أن يعرض الجهات السياسية الحاكمة والمشاركة في الحكم لأي مسائلة، أما ما يعرض السياسي للمسائلة فهو استغلال العملية الانتخابية لأغراض شخصية مادية مثلما حدث مؤخرا مع النائب الأميركي الجمهوري جورج سانتوس الذي اتهم باستغلال أموال التبرعات لحملته الانتخابية لمنافع شخصية غير سياسية مثل إجراء عمليات تجميل وسفرات سياحية.
مما تقدم نرى أن الفرق واضح بين العمل من أجل المصالح السياسية وضمان الاستمرار في المنصب وبين أن يقوم المرء بأفعال تنم عن سوء الأمانة واستغلال المنصب وعادة ما يتوقع الجمهور من العامل في الصحافة أن يكون واعيا لذلك وهو يعتمد عليه في عملية توعية رجل الشارع بخلفيات المواقف السياسية.
وإن فشل العامل في الصحافة في أن يرتقي إلى ما فوق مستوى الشخص العادي في التحليل يعد تقصيرا مهنيا وعندها عليه أن يفكر مليا في السؤال الصعب “هل أنا مؤهل حقا لمخاطبة الجمهور؟!”.